من التهديدات الخارجية التي أحرص على التعامل معها كمسوِّق بحرفية عالية مشكلة “إضطراب السوق”.
ما معنى اضطراب السوق؟
تغير سلبي مفاجئ وكبير في الصورة الذهنية العامة للمنتج أو الخدمة أو مجال النشاط التجاري ككل، ومن أمثلة الإجراءات والأنشطة غير المسئولة التي تؤدي إلى حدوث هذا الاضطراب:
قيام رجال البيع بالطعن والسب في الشركات المنافسة أمام العملاء.
أو لإتمام الصفقة البيعية للعميل يلجأ البائع إلى التحقير من خصائص وفوائد المنتجات المنافسة.
ممارسة رجل البيع مهام عمله الحالية باسم شركته السابقة.
اعتماد المدير المسئول على أسلوب الإساءة للعاملين السابقين كآلية للمحافظة على العاملين الحاليين.
وأسباب أخرى.
لكن رأيت اليوم وأنا أتدبَّر السٌُنة النبوية الشريفة أن النبي صل الله عليه وسلم كان حريصًا جدًا على ألا يحدث إضطراب في السوق أيضًا.
أي سوق؟!
سوق التجارة والزواج معًا.
في الحديث: “ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه” إن حدوث اضطراب في سوق العمل وحدوثه في سوق الزواج يؤدي إلى نتائج سلبية وخيمة على المجتمع الإنساني، يحرمه من الإستقرار، يحول بينه وبين تحصيل القيمة.
أولا: الحرمان من الإستقرار
الإستقرار هدف تسعى إليه الدول والمؤسسات والأسر والأفراد، أيًا ما كان نوع الاستقرار فهو مطلوب؛ استقرار سياسي، استقرار اجتماعي، نفسي، فكري، عاطفي، الاستقرار احتياج مطلوب إشباعه.
وفي سبيل الوصول إلى إشباع هذا الاحتياج يلزمنا السير وفق بوصلة وخطوات محسوبة؛ لئلا تنزلق أقدامنا في زوايا ومنعطفات تُبعدنا عن الهدف الذي هو الاستقرار، ونظن أننا نسير إليه.
لذلك حينما نجلس لنضع أهدافنا نلتزم بأربعة شروط، لايمكن أن يكون الهدفُ هدفًا بدونها، وبدون إحداها يستحيل الوصول إليه، هذه الشروط هي:
وضوح الهدف.
واقعية الهدف.
محدودية الهدف.
قابلية الهدف للقياس.
فالبائع الملتوي في أساليبه لإغلاق الصفقة البيعية، والخاطب يطلب إلغاء الوفاق للإتمام معه، كلاهما نماذج سلبية مرفوضة في التجارة والاجتماع.
ثانيا: تحصيل القيمة ” إحنا بنشتري راجل”
أحد العبارات العميقة التي تتردد في المقابلة التأسيسية لإتمام الزواج، تؤكد على الارتباطية بين التجارة والاجتماع، بين مقابلة الخطوبة ومقابلة البيع، ماذا لو ذهب رجل البيع إلى مقابلة العميل وكأنه ذاهب لطلب يد ابنته؟!
يذهب في كامل جاهزيته المظهرية واللسانية والعطرية والمنطقية والسلوكية، ألا يؤثر ذلك بالإيجاب في إتمام الصفقة البيعية؟! بل هذا هو المطلوب فعله وفق قواعد وأصول علم التسويق والمبيعات الواسع جدًا.
وفي المقابل هل يقبل العميل أن يعطيك إبنته وأنت عاجز عن طمأنته على ابنته معك، وأنت جاهل بواقع متطلبات سوق الزواج وتكاليفه، تريده أن يعطيك ابنته ويلغي الحجز مع الرجل الذي سبقك إليه لمجرد أنك طرقت بابه؟!
تذكرون قصة جليبيب رضي الله عنه، والعلَّة التي لأجلها لم يتقدم لخطبة أي فتاة من فتيات المدينة، ذات العلًَة التي قالها الوالدين لإبنتهما حينما قالت: إنها موافقة قال جليبيب: ومن يعطيني ابنته ولا مال ولا جاه يا رسول الله!!
وقال الوالدين: يابنتي هذا جليبيب انظري هندامه انظري شكله هذا جليبيب لا مال ولا جاه!! لكنها وافقت عن طيب نفس بسبب أن الذي أرسله إلى بيتهم ليطلب يدها هو رسول الله صل الله عليه وسلم.
أي قيمة مالية، وأي جاه يُقصد من رجل رضى عنه النبي صاحب أعظم وأبهى وأحب صورة ذهنية،
ما الذي أراده النبي بإرسال جليبيب؟!
أراد النبي أن يكون استقرار المجتمع على قيمة حقيقة ثابتة راسخة وجدها في جليبيب فوجهه إلى بيت يعلم يقينًا أن لديهم مفهوما وتصورًا ينبغي أن يتوارى تماما بعد اليوم.
جليبيب مُنتج من صناعة النبي صل الله عليه وسلم، رجل بحق له قيمته، ومثل هذا الرجل ينبغي أن يُشترى. فالتركيز على خَلق قيمة حقيقة في المنتج، تحل مشكلة أو تسد حاجة في المجتمع هو الذي يجب الاهتمام به من قِبل الصُناع، وهو الذي يبحث عنه العملاء.
والعميل الذي يشترى منتج لشكله، دون اعتبار بالفائدة الحقيقة العائدة عليه منه، سيشعر أنه خسر ماله بمرور الوقت، ومثله الذي يعطي إبنته لرجل بسبب ماله أو وجاهته دون اعتبار بأخلاقه، سيشعر أنه ضيع ابنته.
لذلك كان النبي حريصًا على حفظ تلك الفتاة من طريقة تفكير والديها، حرصه على إعطائهم درسًا في معايير القبول والرفض.
سواءً قبل العميل أو رفض لا يهم، فهي مسألة رزق، عليك أن تبذل جهدك في الجاهزية النفسية والفكرية والسلوكية.
أحدث التعليقات